إيلون ماسك.. تريليونير حالم يسعى لإنقاذ العالم وإنشاء حضارة متعددة الكواكب
إيلون ماسك.. تريليونير حالم يسعى لإنقاذ العالم وإنشاء حضارة متعددة الكواكب
“الثبات مهم للغاية، يجب ألا تستسلم إلا إذا كنت مجبراً على الاستسلام” يعتقد إيلون ماسك أن هذا هو أحد المفاتيح الرئيسية لنجاحه.
نجاحه الملهم، الذي لم يكن يتوقعه العالم، فمن كان يمكن أن يتنبأ لهذا الطفل المولود في بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا عام 1971، بأنه سيكون قادراً على كتابة تاريخ فريد في عالم المال وريادة الأعمال والابتكار، وسيصبح قاب قوسين أو أدنى بعد 50 عاماً من الحصول على لقب أول تريليونير في التاريخ.
رحلة شاقة مليئة بالتحديات تلك التي خاضها رجل الأعمال متعدد الجنسيات، سنحاول إلقاء الضوء على أبرز محطاتها -وما أكثرها- لكننا سنفتش عن جوانب فريدة لم يتم التطرق إليها كثيراً، فالكل في مغارب الأرض ومشارقها يعلم أنه أغنى رجل على كوكب الأرض بثروته اقتربت من 300 مليار دولار ليقترب من حمل لقب أول تريليونير في التاريخ.
لكن الغالبية العظمى لا تعرف معالم الطريق الصعب وصولاً إلى اللحظة الحالية التي ينظر إليها العالم بانبهار إلى “ماسك”.
محطات
ماسك بدأ رحلته مع الابتكار والعبقرية في سن مبكرة، ففي عام 1983 وبينما بلغ لتوه الثانية عشرة، باع لعبة بسيطة تسمى “Blastar” لمجلة كمبيوتر مقابل 500 دولار،وذلك بحسب بيزنس إنسايدر.
بعد السفر إلى كندا لدراسة الفيزياء في جامعة “كوينز” عام 1989 حصل على الجنسية الكندية، ثم غادر إلى جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة بعدها بثلاثة أعوام قاصداً جامعة “ستانفورد” التي لم يكمل فيها دراسته باحثاً عن تحقيق حلمه ليؤسس أول مشروع في حياته بالتعاون مع شقيقه “كيمبال” حيث أطلقا شركة Zip2 التي كانت تقدم أدلة السفر لصحف مثل “نيويورك تايمز”، و”شيكاغو تريبيون” وتم بيعها ليحصل إيلون ماسك على 22 مليون دولار، أنفق ملايين منهم على تأسيس موقع X.com عام 1999 وذلك لتقديم خدمات مصرفية عبر الإنترنت وبعدها اندمجت مع منافستها شركة Confinity لتأسيس موقع Paypal، وفي العام 2002 اشتراه موقع Ebay بصفقة قياسية تقدر بنحو 1.5 مليار دولار حصد منهم 165 مليون دولار كربح صاف، وجاء هذا بالتزامن مع حصول ماسك على الجنسية الأمريكية في ذات العام.
ولم يضيع “ماسك” الكثير من الوقت وبدأ رحلة الاستثمار في مجال الفضاء مؤسساً شركة “سبيس إكس” باستثمارات بلغت 100 مليون دولار، بغرض إطلاق مركبات للفضاء لأهداف تجارية وسياحية لكن الشركة فشلت 3 مرات في إطلاق صواريخ للفضاء وهو نفس الأمر الذي حدث مع شركة تسلا موتورز التي أسسها عام 2003 وعانت من فشل كبير.
وبعد سنوات من المعاناة والتخبط جاء عام 2012 ليحمل البشرى بنجاح إطلاق صاروخ فالكون 9 لتوصيل شحنة إلى محطة الفضاء الدولية لتصبح المرة الأولى التي تتمكن فيها شركة خاصة من إرسال مركبة فضائية لمحطة الفضاء الدولية.
ثم جاءت الانفراجة الكبرى عام 2018 بعد سماح الحكومة الأمريكية لشركة سبيس إكس بإطلاق أسطول من الأقمار الصناعية في مدار منخفض بغرض توفير خدمة الإنترنت الفضائي.
وتوالت النجاحات في 2013 أطلق ماسك منظومة للنقل فائق السرعة أطلق ليها “Hyper loop”، بهدف إنشاء وسيلة تنقل بين المدن في أقل وقت ممكن، بواسطة كبسولات تسير في أنفاق بسرعات تصل إلى 1,200 كيلومتر في الساعة.
ولأنه مهتم بالذكاء الاصطناعي، أصبح رئيساً مشاركاً لشركة OpenAI التي تأسست أواخر عام 2015، وتهتم بالأبحاث التي تعزز الذكاء الرقمي وأطلقت أول أكواد للذكاء الاصطناعي والذي يعتمد عليه العالم حاليا لتطوير تلك التقنية.
وفي 2016 أعلن ماسك عن صفقة بقيمة 2.6 مليار دولار، من أجل الدمج بين شركته للسيارات الكهربائية “تسلا” وشركة “SolarCity Corp”.
لكن ماسك لا يكل ولا يمل من البحث عن تحقيق بقية الأحلام على طريقته الخاصة: “أهدافي هي تسريع انتقال العالم إلى طاقة مستدامة والمساعدة في جعل الإنسانية حضارة متعددة الكواكب، والتي ستكون نتيجتها إنشاء مئات الآلاف من فرص العمل ومستقبل أكثر إلهاماً للجميع”
رجل في مهمة لإنقاذ العالم
الطفل الذي تعرض للتنمر في مدرسته بجنوب أفريقيا بسبب سلوكه الانطوائي، والذي كان يشعر بأنه منبوذاً، عندماً أصبح كبيراً لم يفكر فقط في الدفاع عن نفسه بل أصبح يفكر في إنقاذ العالم أجمع من المخاطر التي تحيط به.
لذا فإن تفكيره في تأسيس شركة تسلا للسيارات الكهربائية تهدف إلى مواجهة التغيرات المناخية عن طريق الانتقال للطاقة النظيفة.
كما أنه يحلم بالاعتماد على كواكب أخرى غير الأرض لأنه يرى مخاطر جمة في الاعتماد على كوكب واحد سواء براكين هائلة أو حروب نووية أو نيازك تضرب الأرض، لذا أسس شركة سبيس إكس للسفر عبر الفضاء، للبحث عن سبل للانتقال إلى الفضاء في المستقبل.
ويمثل الذكاء الاصطناعي ومخاطره على البشر أحد التهديدات التي يحاول ماسك التعامل معها لذا أسس OpenAi لتأسيس ذكاء اصطناعي صديق للبشر.
مصاب بمرض العباقرة
لكن هذا لا يعني أن إيلون ماسك شخص مثالي فهو شخص يبدو أحياناً غير طبيعي بالمرة فهو يعمل حوالي 100 ساعة أسبوعياً ويتوقع ممن حوله أن يعملوا بتلك الطريقة، كما أنه يفقد أعصابه كثيراً ويطرد بعضهم بسبب أخطاء بسيطة، كما أنه ظهر ذات مرة وهو يدخن الحشيش عبر الإنترنت في بث مباشر، وغيرها من التصرفات الغريبة والصادمة.
لكن كل ذلك وجد تفسيراً منطقياً أثناء استضافة “ماسك” في البرنامج الكوميدي الأمريكي الشهير “SNL” حين كشف عن إصابته بمتلازمة أسبرغر، قائلاً: “اسمع، أعلم أنني أقول أو أنشر أشياء غريبة، ولكن هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقلي، وأد أن أقول لجميع الأشخاص الذين أسأت إليهم أنا أعدت اختراع السيارة الكهربائية وأرسل أشخاصاً لكوكب المريخ في صاروخ فهل تعتقدون أنني شخص طبيعي ومرتاح؟”.
وتعد متلازمة أسبرغر -يطلق عليها مرض العباقرة- نوعاً من أنواع مرض التوحد، وتتمثل في اضطراب بالنمو العصبي الوراثي، وتؤدي إلى صعوبات كبيرة في التفاعلات الاجتماعية.
ربط العقل البشري بالكمبيوتر
لطالما كان أحد أحلام إيلون ماسك هو ربط العقل البشري بالكمبيوتر وهو ما جعله يؤسس شركة “نيورالينك” التي تجري التجارب على الحيوانات وتعقد المؤتمرات الطبية وتعمل على أبحاث متسارعة لتحويل الحلم إلى حقيقة.
ومن بين أهداف المشروع توفير المساعدة للبشر الذين يعانون من مشكلات عصبية وعلى سبيل المثال سيساعد المصابين بالشلل على التحكم بالكمبيوتر عن طريق الدماغ أو قدرة البعض على تحريك طرف صناعي بإشارات المخ فقط.
واقتربت الشركة من الحصول على تصريح بإجراء التجارب السريرية على البشر بعد إخضاع الحيوانات لتجارب ناجحة، حيث منحت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية جهاز الشركة تسمية “الجهاز الابتكاري” وهو ما يعني تسريع عملية إخضاعه لمراجعة رسمية، وهذا الجهاز يعمل على إنشاء أقطاب كهربائية في المخ على شكل “شريط عصبي” يقوم روبوت جراحي بخياطته داخل الدماغ.
وبالرغم من أن الهدف الرئيسي في المرحلة الأولى هو مساعدة من يعانون من مشكلات عصبية ومشكلات في النخاع الشوكي فإن أحد أبرز الأهداف هو مساعدة الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع والبصر، ثم السيطرة على الألم، واستعادة بعض الوظائف التي يفقدها الإنسان بسبب الشيخوخة.
وفي مراحل متقدمة تهدف الشركة إلى تطوير الجهاز للمساعدة في ممارسة الألعاب الإلكترونية و”التخاطر” للتواصل بطريقة أسرع من الكلام بالإضافة إلى حفظ الذكريات وإعادة عرضها أو إرسالها إلى إنسان آخر أو روبوت.
وتسعى شركة “نيورالينك” لمساعدة البشر على الاندماج مع الذكاء الاصطناعي من خلال شعار الشركة ورسالتها “إذا لم تتمكن من التغلب عليهم، فما عليك إلا الانضمام إليهم.
لا يريد أن يكون رئيسا لأي شيء
يروي تيم هيجينز مراسل صحيفة وول ستريت جورنال. ومؤلف كتاب “Power Play: Tesla” قصة تعود أحداثها إلى عام 2016 عندما كانت شركة تسلا في مأزق حينها تواصل ماسك مع الرئيس التنفيذي لشركة آبل تيم كوك لشراء الشركة، لكنه طالب بالحصول على منصب الرئيس التنفيذي لشركة آبل كجزء من الصفقة وهو ما قوبل بالرفض.
لكن ماسك أكد أنه أنه لم يتحدث أو يكتب إلى كوك على الإطلاق، ولكنه فقط طلب مقابلته للحديث بشأن شراء تسلا ولكنه رفض مقابلته، مضيفاً عبر تويتر: “لا أريد أن أكون رئيسا تنفيذيا لأي شيء”.
وهاهو الآن ينتهي به المطاف مؤسس ومدير لاثنين من أكبر الشركات في العالم، كما أنه يساهم في شركات صاعدة وقادمة بقوة مثل التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي أو النقل وغيرها من الابتكارات.
أعمدة النجاح الستة
بحثت شبكة بي بي سي عن أسرار نجاح إيلون ماسك في حوار أجرته معه عام 2014 ليكشف عن 6 أسرار لنجاحه.
السر الأول: لا تجعل المال هدفك الوحيد
يقول ماسك إنه يمتلك أسهم فقط في شركاته ولها قيمة سوقية تقدر بالمال، لكنه لا يمكنه تقدير حجم ثروته، ورغم مساعيه الدائمة وراء تحقيق الثراء إلا أنه يرى أن المال لم يكن الدافع الذي حفزه لتحقيق هذا النجاح، “ما دمت متمسكا بالقيم والمبادئ الأخلاقية”.
ويعتقد “ماسك” أنه لن يموت ثرياً إذ يتوقع أن ينفق معظم أمواله على بناء مستعمرة بشرية في المريخ، وهو ما قد يكلفه ثروته بالكامل.
السر الثاني: اتبع شغفك
“كنت أنتظر بفارغ الصبر أن نسبر أغوار الفضاء ونرسل إنسانا إلى المريخ، ونقيم قاعدة بشرية على القمر”، يقول ماسك، لافتاً إلى أنه قرر تأسيس شركة “سبيس إكس” لأنه شعر بخيبة أمل من برنامج الفضاء الأمريكي الذي يعتقد أنه لم يكن طموحا بما يكفي، لذا أطلق فكرة “بعثة واحة المريخ” لإرسال صوبة زراعية صغيرة إلى الكوكب الأحمر من أجل إثارة اهتمام الناس بالفضاء وتحفيز الحكومة الأمريكية لزيادة ميزانية وكالة ناسا.
لكن سرعان ما أدرك إيلون ماسك أن المشكلة ليست في انعدام الإرادة للسفر إلى الفضاء، بل في غياب الوسائل التي تنقلنا إلى هناك، لأن تكنولوجيا الفضاء باهظة التكلفة لذا فإن إنشاء شركة “سبيس إكس” لم يكن ربح الأموال بقدر ما كان إرسال بشر إلى المريخ، وأن الدافع الذي يحفزه للعمل هو رغبته في حل المشاكل.
السر الثالث: لا تخف من وضع أهداف كبرى
جرأة أهداف إيلون ماسك ليست خافية على أحد فهو يؤسس شركاته من أجل إحداث طفرات وليس مجرد تغيير، استخدام الطاقة النظيفة في السيارات، وغزو الفضاء، وإنشاء أنفاق مفرغة الهواء لزيادة سرعة القطارات، وربط العقل البشري بالذكاء الاصطناعي، وغيرها من الأفكار الثورية كانت خيالات وأوهام بالنسبة للكثيرين لكن ماسك حولها من أفكار خيال علمي إلى حقائق بعضها أصبح ملموساً لأن هدفه من البداية كان تغيير حياة الناس.
السر الرابع: الاستعداد للمجازفة
في عام 2002 باع ماسك حصته في أول مشروعين في حياته، وهما دليل مدينة الإنترنت “ZIP2″، ومنصة المدفوعات الإلكترونية “PayPal” محققاً حوالي 200 مليون دولار وعمره 30 عاماً فقط.
ويقول إنه كان يستثمر نصف ثروته في مشروعات جديدة والاحتفاظ بالنصف الآخر في البنوك، ولكن عندما واجهت مشروعاته الفشل سواء فشل سبيس إكس في إطلاق الصواريخ للفضاء ومواجهة تسلات مشكلات في الإنتاج والتوريد والتصميم، كان أمامه خيارين إمام الاحتفاظ بأمواله في البنوك وخسارة الشركات أو إنفاق المال وإنقاذها من الانهيار، ليختار الخيار الأصعب بل ويقترض من أجل استكمال حلمه.
ولم يقلق ماسك من شبح الإفلاس الذي يطارده قائلاً: “كنت سأضطر لتعليم أطفالي في مدارس حكومية. ما المشكلة، فقد درست في مدارس حكومية”.
السر الخامس: عدم الاكتراث بالنقد
أصيب ماسك بالدهشة من حجم الشماتة والتشفي بسبب تعثر شركاته، بل ووصل الأمر إلى وضع بعضهم ساعات للعد التنازلي لنهاية شركة تسلا.
لذا ينصح ماسك بعدم الاكتراث بالنقد قائلاً إنه لم يتوقع أبداً تحقيق “سبيس إكس” أو “تسلا” أرباحا كبيرة عندما أسسهما، لكنه تجاهل المتشائمين ومضى في تنفيذ خططه، ولهذا لا يهتم بنظرة الناس أو سخريتهم منه إذا أخفقت مشروعاته التي استثمر فيها أموالا ضخمة، لكن كل ما يشغله هو السعي وراء تحقيق غايات مهمة.
السر السادس: استمتع بحياتك
يعتقد ماسك أنه من الضروري الاستمتاع بالحياة مهما كانت نتائج الرحلة، لأنه يعتقد أن الحياة مليئة بالمفاجآت لذا يجب البحث عن الاستمتاع في لحظات النجاح والفشل.
حياة شخصية صعبة لم تعطله
حياة ماسك الشخصية المضطربة لم تؤثر على نجاحاته رغم أنها مليئة باللحظات الصعبة والحزينة، فالبداية كانت مع زوجته الأولى المؤلفة الكندية “جوستين” التي تزوجها عام 2000 وتوفي طفلهما الأول في عمر 10 أسابيع ثم أنجب منها 5 أبناء قبل انفصالهما عام 2008.
القصة العاطفية الثانية بدأت مع الفنانة تالولا رايلي في ذات عام طلاقه من زوجته الأولى، قبل أن يتزوجها عام 2010، ثم انفصل عنها في 2012، قبل أن يتزوجا مرة أخرى عام 2013، ثم علاقة متوترة انتهت بالطلاق عام 2016.
ودخل ماسك في علاقة قصيرة فاشلة مع الممثلة أمبر هيرد ثم انفصلا عام 2017، ووصف ماسك هذا الانفصال بأنه كان “صعباً”.
وفي عام 2018، ارتبط ماسك مع بعلاقة مع فنانة البوب الكندية جرايمز، التي أنجبت طفلاً في 2020 أطلقا عليه “X” قبل أن يعلنا انفصالهما.